الموضوع: محجوب عبيد
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-01-07, 11:39 PM   [9]
سارب الامل25
عضو فضي
 

سارب الامل25 is on a distinguished road
افتراضي

وكما وعدتكم فللحديث بقيه عن سيرة هــــــــــــــــــــذا العالم العربي المسلم

مـحـجـوب عـبـيـد طـــه
خـضـر مـحـمـد الـشـيـبـانــي

ومـــضـــات مــن (فــكــر) مـحـجـوب عـبـيـد طـــه !!

1-
سيقع اللوم – دون شك – على محبي ومريدي وزملاء محجوب عبيد طه – رحمه الله -، ومنهم صاحب هذه السطور، لعجزهم حتى الآن عن جمع تراث ذلك الرجل الفذ والمتميز فكراً وخلقاً وعلما.

لقد رحل الفيزيائي القدير والمفكر المرموق البروفسور محجوب عبيد طه، من عالم الفناء إلى عالم البقاء، في عام 1421هـ، تاركاً وراءه عطاءً شامخاً في مجال تخصّصه، وإسهاماً متألقاً على المستوى الفلسفي والفكري، وذكرى عبقة تنبض بالحب الذي كان يفيض حوله تلقائياً لما تميز به من الخلق الرفيع، والتواضع الجم.

لقد تميزت حياة الرجل بثلاثة محاور ترك على كلٍّ منها بصمات مميزة...وتأثيراً عميقاً، فكان هناك (المحور العلمي)، و(المحور الفكري)، والمحور الإنساني)، ونادراً ما يستطيع شخص أن يجمع بين تلك المحاور في آن واحد، وأن يتميز بخصائص بارزة على كل صعيد منها.

مـن ذلك المنطلق فإن أي محاولة نزيهة للتعامل مع شخصية محجوب عبيد طه لا تستطيع أن تغفل تلك الأبعاد الثلاثة التي تلاقت في هدوء وسكينة وتناغم في شخصية ذلك الرجل النحيل الذي انطلق من قريته في السودان ليحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة (كمبردج) ببريطانيا عبر مسيرة من التفوق المشهود له، وليواصل بكل عنفوان رحلة علمية وفكرية وإنسانية غنية بالعطاء والنقاء.

وإذا كانت أعماله الأصيلة في مـجال (الفيزياء النظرية) و(فيزياء الكون) قد

استقرّت في بطون أشهر الدوريات العلمية ليرجع إليها أهل الاختصاص، وحصلت على ما هي أهل له من تقدير روّاد تلك الآفاق (الفيزيائية – الرياضية)، فإن إسهاماته على المستوى الفكري بقيت حبيسة مقالات وتسجيلات متناثرة لندوات ومحاضرات كان ينشط إليها بهدوء كل ما سنحت له الفرصة، وكان بذلك يثري ساحة الفكر دون جلبة أو ضجيج.

لقد غطّت أنشطة محجوب الفكرية طيفاً واسعاً...وأصعدة عديدة، فاهتمّت بفلسفة العلوم، وبُـنية النظريات العلمية، ومفهوم القوانين الطبيعية، ومفهوم الزمن، وبداية الكون، والإعجاز العلمي في القرآن والسنة، واتساق الإيمان والعلم الطبيعي، وكلها قضايا تدفع بالفكر البشري إلى آفاق شاهقة ترقى بالمدارك البشرية، وتعمّق الرؤى الإنسانية، وتتفاعل - في حيوية وانسجام - مع عناصر النبوغ والتفوق والتمكّن في ساحة معطيات العصر وأدواته.

وبالرغم من أن إسهامات محجوب عبيد طه وطروحاته ترتكز على أسس علمية بالغة التعقيد على المستوى النظري والتجريبي، وتحتاج إلى قدر من الجهد والمثابرة، وحدٍّ أدنى من التأسيس المعرفي، إلا أن محجوب استطاع - في حالات كثيرة - أن يتجاوز تلك العقبات (الرياضية – الفيزيائية)، ليقدّم طرحاً سلساً وماتعاً للإنسان العادي ذي الاهتمامات الفكرية والثقافية العامة.

ولذا فإني عبر مجموعة من المقالات سأسعى إلى إبراز بعض ومضات من (فكر) محجوب عبيد طه – رحمه الله-، مدركاً حجم التحدي وصعوبة المهمة، ولكني أعترف – في نهاية المطاف – بأنها ليست إلا محاولات اجتهادية في الانتقاء والتحليل والتـأمل، وهي ليست إلا جهداً متواضعاً يقف أمام قمة فكرية متسامقة تضرب بجذورها العلمية في أشدّ العلوم انضباطاً...وأكثرها تعقيداً، وتتعامل مع أصعب الأطر الفلسفية والعقدية.

من أبرز ما اهتم به الرجل هو الأبعاد العلمية والفلسفية لمفهوم (المنهج العلمي) الذي تنطلق منه صياغة (القوانين الطبيعية)، فنجده يبدأ إحدى مقالاته بالقول: (هنالك مفاهيم شائعة عن ماهية العلم الطبيعي ووظيفته، عند عامة المثقفين، وأحياناً عند بعض العاملين في البحوث العلمية، مصدرها الكتب المدرسية والصحف العامة والمقالات السطحية عن العالم المثالي للعلماء الطبيعيين. ملخص هذه النظرية الشائعة أن العلم الطبيعي وقوانينه ونظرياته نتاج فريد لا يخضع للاختلاف بين البشر ولا يختصم حوله من أدركه ووقف عليه، إذ أن التجربة المعملية هي الفيصل في كل جدال حول مسألة علمية. والحق أن هذا يصحّ على جزء من العلم الطبيعي، ويصحّ على قائمة الملاحظات بعد إجراء التجارب على ظاهرة تجريبية معينة. ولكن قائمة الملاحظات ليست إلا البداية، وأما العمل العلمي الحقيقي فإنه ينتج عن تفاعل الفكر البشري مع هذه القوائم وعما يضفيه عقل الإنسان عليها من التسبـيـب والربط المنطقي المتماسك. هذا التنظير الإنساني ضروري وأساسي ويشكّل روح العمل العلمي. بسبب هذا فإن العلم الطبيعي، في المكان الأول، تجربة بشرية تخضع لما تخضع له التجارب البشرية كافة من اختلاف بين الناس وخصومة حول العمل....معناه وجدواه ومنتهاه).

بطبيعة الحال فإن محجوب، وهو القامة المتسامقة في مجال (العلوم الطبيعية)، لا يترك هذا القول على عواهنه، ولكنه ينبري ليثبته بالمثال تلو المثال عبر الجهود التراكمية لعلماء الطبيعة في استراتيجتهم التي تمكّن - في نهاية المطاف - من صياغة (القوانين الطبيعية)، والخلوص إلى (تعميم علمي مفيد).

في هذا الإطار يأخذنا محجوب معه في رحلة توضيحية تكشف عن (المراحل الإجرائية) في تطبيق (المنهج العلمي) فيقول: (لا شك أن المنهج التجريبي قد تطوّر كثيراً عبر القرون واستفاد ليس فقط من الوسائل التقنية المتاحة للتجريب المعملي في كل مرحلة، وإنما من التنظير وأساليب التفكير العلمي التي أثبتت جدواها في تنظيم الحقائق وربطها. وقد بلغ هذا التطوّر الحد الذي يمكّننا الآن من تحديد الكيفية العامة التي ينتهي بها البحث لصياغة قانون عام، على الأقل في المباحث التي بلغت درجة عالية من النضج والدقة مثل الفيزياء المعاصرة. تبدأ هذه الكيفية بتحديد الحالة العامة للنظام قيد الدراسة عن طريق تسجيل المتغيرات المقيسة التي تميز حالة النظام عن غيرها. ثم تُجرى التجارب لرصد القيم المختلفة لهذه المتغيرات مع تطوّر النظام، أي رصد مسار تحوّل النظام من حالة إلى أخرى. ثـم يُبحث في هذا المسار عن الخواص التي لا تتغير مع تطوّر النظام، اللامتغيرات أو الثوابت. هذه الثوابت تعطي (قوانين البقاء) للنظام. وبالتدقيق في (قوانين البقاء) لمجموعة متماثلة من النظم تُقدّم فرضية لقانون عام يقتضي

(قوانين البقاء) المُـشاهَدة. ثـم يُـختبر هذا القانون بمقارنة تـنبؤاته مع التجارب على أوسع نطاق ممكن، ويُنظر في إمكانية استنتاجه من نظريات أعمق وأشمل. هذه النظريات الشاملة تشكّل نماذج رياضية لمجموعات كبيرة من الظواهر الطبيعية تنتظم تحت تفاعلات أساسية واحدة).

تـُرى ما هو الأمر الذي يمهّد له محجوب عبر طرحه العميق لطبيعة (المنهج العلمي) ومراحله الإجرائية التي تتفاعل فيها المتغيرات المقيسة، والحقائق الثابتة، والمعالجات الرياضية، والتصوّرات البشرية في بوتقة تضجّ حيوية، وتشعّ نشاطا؟


سارب الامل25 غير متواجد حالياً    رد مع اقتباس